کد مطلب:323826 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:344

المیراث و التکریم الاسلامی للمرأة
و فی هذه النظرة البهائیة للمیراث تحقیر للانسان بعامة؛ و للمرأة بصفة خاصة؛ بعد أن كرمها الله و كرم الانسانیة فی كتابه الكریم؛ فالاسلام جعل التوریث اجباریا بالنسبة للموروث و بالنسبة للوارث، فلیس للموروث سلطان علی ماله بعد وفاته الا فی الثلث، لیتدارك تقصیرا دینیا فانه، و أراد أن یفتدیه بالمال، أو لیوسی من یستحق المواساة ممن تربطه بهم مودة أو قرابة بعیدة لا یستحق معها میراثا، أو لینفقه فی جهات البر و مصالح الجماعة التی یعیش فیها، أما الثلثان فلیس له فیهما سلطان، و الملكیة بعد الوفاة فیهما یتولاه الشارع، لیوزعها بین أسرته
بالقسطاس المستقیم، كل بقدر حاجته أو بقدر قرابته، و لیس للوارث أن یقول لا أقبل المیراث، فانه من المقررات الشرعیة ألا یدخل شی ء فی ملك الانسان جبرا عنه غیر المیراث [1] .

و لقد تولی الشارع الاسلامی توزیع الثلثین ان أوصی بالثلث، و توزیع الكل ان لم یوص، و جعل الملكیة فی أسرته لا تخرج عنها، بل توزع فی دائرتها، و ذلك لأن منافع الاسرة متبادلة بین آحادها، فالقوی فیها یحمی الضعیف، و الغنی یمد الفقیر بماله، و یعینه علی نوائب الدهر. و قد أوجب الشارع للفقیر العاجز عن الكسب نفقة فی مال قریبة الموسر، فكان من مقتضی التبادل الذی أقره الاسلام أن یجعل له الحق فی میراثه اذا كان له مال. و ان جعل المیراث فی الاسرة بطریق الاجبار سواء أراد صاحب المال أم لم یرد، بل سواء أرضی أم سخط فیه حمایة للأسرة، و توثیق للعلاقات بین آحادها، حتی لا یكون نزاع اذا ترك له أمرها یوزع بین آحادها كما یشاء أو تكون البغضاء الشدیدة له اذا وزع المال علی غیرها [2] .

و مع أن الأسرة تستحق الثلثین علی الأقل میراثا أراد المورث أم لم یرد، لیس كل آحاد الأسرة درجة واحدة فی الاستحقاق بل بعضها أولی من بعض فی الترتیب و فی المقدار، و ان التوزیع العادل الذی بینه القرآن الكریم یقوم علی ثلاث قواعد» [3] .

أولا: انه یعطی المیراث للأقرب الی المتوفی الذی یعتبر شخصه امتدادا فی الوجود لشخص المتوفی، من غیر تفرقة بین صغیر و كبیر. و مع ان الأولاد اكثر الورثة حظا فی المیراث فی الأسرة، لا یستأثرون به، بل یشاركهم غیرهم،
فتشاركهم أرملة المتوفی و یشاركهم والده و أمه، و قد یشاركهم فی بعض الأحوال أخوته، و لكن فی الجملة لا یكون ما یستحق الأولاد أقل من النصف فی اكثر الأحوال.

ثانیا: ملاحظة الحاجة، فكلما كانت الحاجة أشد كان العطاء اكثر، و لعل ذلك هو السر فی أن نصیب الاولاد كان اكثر من نصیب الابوین، مع أنهما درجة واحدة من القرابة، و مع ان للأبوین فی مال ولدهما نوع ملك، و لكن لأن حاجة الأولاد كانت أشد كان المیراث لهم اكثر، اذ هم فی الغالب ذریة ضعاف یستقبلون الحیاة، و لها تكالیفها المالیة، و الأبوان فی الغالب لهما من المال فضل، و هما یستدبران الحیاة فحاجتهما لیست كحاجة الذریة الضعاف، و فوق ذلك فان ما یرثانه یكون لأولادهما، و لا یكون للذریة من ما لهما شی ء، لأن أباهم مات و هما علی قید الحیاة، فكان لابد أن یكون حظ الذریة و فیرا. و ان ملاحظة الأكثر احتیاجا هی التی جعلت للذكر ضعف الانثی، ذلك لأن التكلیفات المالیة التی تطالب بها المرأة دون التكلیفات المالیة التی یطالب بها الرجل، و ذلك فی كل الأمم فی غالب الأحوال، فهو المطالب بنفقة الأولاد و اصلاحهم، و یمدها بحاجاتهم، و ان الفطرة الانسانیة هی التی جعلت المرأة قوامة علی البیت، و الرجل كادحا لتوفیر القوت، فكان هذا داعیا لأن یطالب هو بتقدیم المال، و تطالب هی بتدبیر البیت، و هذا بلا شك یجعل حاجة البنت الی المال دون حاجة الابن، و حاجة الأخ الشقیق أو الأب دون حاجة الأخت الشقیقة أو الأب [4] .

و ان «الاعطاء علی مقدار الحاجة» كما یقول الامام أبوزهرة هو «العدل و المساواة عند تفاوت مقدار الحاجة هو الظلم، فأولئك الذین یتكلمون فی مساواة
المرأة بالرجل فی المیراث لا یسیرون وراء المساواة العادلة، یسیرون وراء الظلم» [5] .

ثالثا: ان الشرع الاسلامی فی توزیعه التركة یتجه الی التوزیع دون التجمیع، فهو لم یجعل وارثا یستبد بها دون سواه، فلم یجعلها للولد البكر، و لم یجعلها للأبناء دون البنات، و لا للأولاد دو الآباء، و لم یطلق ارادة المورث یختص بها من یشاء من أقاربه، بل وزع التركة بین عدد من الورثة و الصور التی ینفرد فیها وارث بالتركة كلها نادرة جدا، و هی حیث یقل الاقارب، و ما كان نظام التوریث یخلق القرابة، بل لیوزع بینها بمقدار قربها و قوتها [6] .

و من ذلك یتضح لنا ان الاسلام قد جاء لیكرم المرأة؛ التی تهینها البهائیة؛ فالمرأة فی شریعة الاسلام انسان «مرعی الحقوق و الواجبات» [7] یقول الله تعالی: «و لهن مثل الذی علیهن بالمعروف و للرجال علیهن درجة» [8] .

فللنساء من الحقوق مثل ما علیهن من الواجبات، و لكن للرجال درجة زائدة علی النساء، هی قوامتهم علیهن، لأن الرجال مطالبون بالانفاق علی الأسرة، و العمل بكل وسیلة لاسعادها و التكفل بمطالبها. و الحیاة معقدة تتطلب التعاون بین الرجل و المرأة فكلاهما یجب أن یسعی و یعمل لاسعاد الآخر، و اذا قام الرجل بواجبه، و قامت الزوجة بواجبها، و تعاونا معا علی الحیاة، استطاعا أن یكونا بیتا سعیدا و أسرة سعیدة هانئة راضیة، متعاونة متآلفة [9] .
لقد منح الاسلام المرأة حقوقا انسانیة و مدنیة و اقتصادیة و اجتماعیة لم تمنحها قبل الاسلام أو بعده. و حافظ علی كرامتها و شرفها، و عاملها معاملة الاجلال و الاحترام. فالمرأة المسلمة قد أعطیت من الحقوق ما لم تعطه المرأة الفرعونیة و الیونانیة و الرومانیة و الفارسیة قدیما، و المرأة الاوربیة و الامریكیة حدیثا. أعطیت المرأة فی الاسلام ما لم تنله فی دیانة موسی و عیسی [10] .

یقول المرحوم الاستاذ الامام محمد عبده: «هذه الدرجة التی رفع الله النساء الیها لم یرفعهن الیها دین سابق، و لا شریعة من الشرائع، بل لم تصل الیها أمة من الأمم قبل الاسلام و لا بعده. و هذه الأمم الاوربیة التی كان من تقدمها فی الحضارة أن بالغت فی احترام النساء و تكریمهن، و عنیت بتربیتهن و تعلیمهن الفنون و العلوم، لا تزال دون هذه الدرجة التی رفع الاسلام النساء الیها، و لا تزال قوانین بعضها تمنع المرأة من حق التصرف فی مالها بدون اذن زوجها، و غیر ذلك من الحقوق التی منحتها ایاها الشریعة الاسلامیة من نحو (اكثر من أربعة عشر قرنا) و قد كانت النساء فی أوربة (اكثر من) خمسین سنة بمنزلة الارقاء فی كل شی ء. كما كن فی عهد الجاهلیة عند العرب، بل أسوأ حالا... و قد صار هؤلاء الافرنج الذین قصرت مدنیتهم عن شریعتنا فی اعلاء شأن النساء یفخرون علینا، بل یرموننا بالجهل فی معاملة النساء، و یزعم الجاهلون منهم ان ما نحن علیه هو أثر دیننا» [11] .

و یكفینا ما قاله الرسول صلی الله علیه و سلم: «ما زال جبریل یوصینی بالنساء حتی ظننت أنه سیحرم طلاقهن» و لا نبالغ اذا قلنا «ان المرأة المسلمة قد أعطیت من الحقوق ما لم تعطه المرأة الاوربیة و الامریكیة فی القرن العشرین. و ان الاسلام قد أنصفها، و عاملها معاملة انسانیة كریمة، منذ أربعة
عشر قرنا، فكان لها منزلة رفیعة، و درجة سامیة فی العصور الاسلامیة الذهبیة. فالاسلام مفتری علیه بالكذب و البهتان من متعصبین و محترفین و كتاب لا یعرفون الحق؛ لأنهم لا یرونه، و لا یعرفون العدالة و الانصاف و لا یفهمون الاسلام علی حقیقته. و یجهلون مثله العلیا، و مبادثه و قواعده. و آراؤهم كلها افتراءات و أكاذیب» [12] .


[1] الامام محمد ابوزهرة: السابق، ص 33.

[2] نفسه، ص 34.

[3] نفسه ص 134.

[4] الامام محمد أبوزهرة، ص 135.

[5] الامام محمد أبوزهرة، ص 135.

[6] نفسه، ص 177.

[7] العقاد: المرأة ذلك اللغز، ص 194.

[8] سورة البقرة، الآية 228.

[9] محمد عطية الابراش: مكانة المرأة في الاسلام، ص 27.

[10] محمد عطية الأبراش: مكانة المرأة في الاسلام، ص 29.

[11] تفسير المنار، ج 2، ص 376 - 375.

[12] محمد عطيه الابراش: السابق، ص 30.